المَشْهَد النَّسوي في الحَرب: الرّيادَة للفِلِسطينيّات، وعِناق عالَمي يَتَجاوَز التّضامُن

مَع كلّ مَشهد من غزة اليوم، حيث يُحاول الناس لملَمَة ما تبقّى من حَياتهم بَعد شهور من الدّمار، تستمرّ النساء الفلسطينيات في حَمْل عبء النّجاة والصّمود.
رغم اتفاق وقف إطلاق النار الهشّ بين إسرائيل وحماس، ما زالت الانتهاكات تقع بشكل متكرّر، لتُعيد إلى الأذهان هَشاشة السلام وعُمق الجَرح الإنساني. في ظلّ هذا الواقع، تتحوّل المَدارس المهدّمة إلى مَراكز مجتمعيّة، وتَعمل النّساء على توفير الطّعام، والرعاية، والدعم النفسي لأُسرٍ تَعيش في ظُروف قاسية. إنهنّ خطّ الدفاع الأوّل عن الحياة في مواجهة الجوع، والنزوح، وفقدان المأوى.
الحَرَكات النسويّة الدوليّة: مِن التّضامن إلى الضّغط الفِعلي
منذ بداية الحَرب الأخيرة، تَصاعدت مَوجات التضامن النّسوي العالمي مع فلسطين. شَهِدَت أوروبا، وأميركا اللاتينية، والولايات المتحدة تنظيم وَقَفات احتجاجيّة ومسيرات ضَخمة تُطالب بوقف العُدوان ورفع الحِصار عن غزّة. مع ذلك، ما زال التحدّي قائمًا: كيف يتحوّل هذا التضامن الرمزيّ إلى ضغطٍ سياسي فعليّ على الحكومات وصنّاع القرار؟
اليوم، وأكثر من أيّ وقت مضى، تحتاج فلسطين إلى تضامنٍ يَربط بين العدالة الجندريّة والعدالة السياسيّة، بين حقوق النساء وحقّ الشعوب في تقرير مصيرها. حين تُصغي الحركات النسوية العالميّة إلى أصوات النساء الفلسطينيات على الأرض، وتَربط نضالهنّ بالأَجندات العالميّة لمناهضة الاستعمار والعنف البنيويّ، يصبح التضامن قوّة تغيير حقيقية.
الشّتات النّسوي الفلسطيني: جِسر بين غزّة والعالَم
في خضمّ ما حَدَث ويَحدث، أثبَتت النساء الفلسطينيات في الشّتات قدرتهُن على تَحويل الذاكرة إلى فعل. في أوروبا وأميركا وكندا وأميركا اللاتينية، نظّمن فعاليات توعوية، وندوات برلمانية، وحملات لجمع التبرّعات والمساعَدات الإنسانية. كما قُمنَ بإطلاق مبادرات للدعم النفسي والاجتماعي للنساء في غزة، خاصة أولئك اللواتي فَقَدن منازلهن أو أزواجهن خلال العدوان.
لَم يَعُد الشّتات مجرّد مساحة رمزيّة، بل صار شريانًا يوصل أصواتَ النساء الفلسطينيات إلى المَنابر الدولية، ويُعيد صياغة الرّواية الفلسطينية من منظور نسويّ، يرفُض تجزئة العدالة أو فَصلِها عن القضايا الإنسانيّة الأخرى في العالَم. يتجلّى في هذا التّقاطع بين المحلي والعالمي وعيٌ متنامٍ بأن بناء السلام العادل يبدأ من الاعتراف بقُدرَة النساء على قيادة التّغيير من القاعدة إلى السياسات.
النّساء الفِلِسطينيات: فاعِلات في مواجَهَة المَأساة
رغم الدّمار الواسِع، تُواصل النساء الفلسطينيات قيادةَ مبادرات مجتمعية وتعليمية وصحيّة محلية. في شمال غزة، أَنشأَت مجموعة من النساء مدرسةً مؤقتة داخل خيمة بغرض تعليم الأطفال المَحرومين من التعليم. وفي الجنوب، تَعمل أُخريات على إنتاج مواد غذائيّة محلّية لتأمين دخل مستدام للأسر. وفي الضفة الغربية، تنشط فتيات في الإعلام الرَقَمي لِسَرد قصص الصُّمود بلغات متعدّدة، متحدّيات بذلك التّعتيم الإعلامي.
ما يُميّز هذه المبادَرات هو قُدرَتها على التحوّل من الاستجابة الفوريّة إلى الفعل البنيوي، من النّجاة الفردّية إلى بناء مساحات أوسع للمشاركة والتأثير. إنّها تجسيد عملي لفكرة التّمكين القاعدي والقيادة المحلّية التي ترى في النساء عناصر فاعلة في إعادة بناء النسيج الاجتماعي وترميم الثّقة المجتمعية، لا مجرّد متلقّيات للدعم.
من التّضامن إلى الفِعل: نِداء متجدّد
إن ما تحتاجه النساء الفلسطينيات اليوم هو تضامنٌ طويل الأمد، يترجِم نفسه في دعمٍ ملموس، وبناء شَراكات حقيقية تعزّز قدرات الفاعلين المحليين وتمكّنهم من صياغة حلولهم بأنفسهم. لَيس المطلوب فقط بيانات دَعم، بل سياسات واضحة تضمن المساءَلة الدوليّة ووقف الانتهاكات المستمرة. التحرّك الفعلي يعني الاستثمار في القيادة المحليّة، في المبادرات المجتمعية التي تَخلق الأثر الحقيقي وتحوّل الألم إلى طاقة تغيير.
يجب أن يتجاوَز التضامن النَسوي مع فلسطين المواسم والمناسبات، ليصبح جزءًا من حركة عالمية تَسعى لإنهاء كلّ أشكال الاستعمار والعنف البنيوي. فالنساء الفلسطينيات يواجهن استعمارًا مزدوجًا: احتلالًا عسكريًا يهدّد حياتهن، ونظامًا أبويًا يقيّد إمكانياتهن. دعمهنّ يعني الدفاع عن الحرية والعدالة وحقّ الشعوب في الحياة الكريمة.
خاتمة
حين نكتب عن النساء الفلسطينيات في أكتوبر 2025، فإننّا لا نصف ضحايا صامتات، بل نضيء على قائداتٍ يصنعن الحياة من الرّماد. التضامن معهّن ليس عاطفة، بل مسؤولية أخلاقيّة وسياسيّة. إنه التزامٌ بأن تظلّ فلسطين، ونساء فلسطين، في قلب النضال العالمي من أجل الحرية والعدالة والمساواة — رؤية تؤمن بأن التّغيير يبدأ من الأرض، من المبادرات الصّغيرة التي تنمو بثقة لتعيد صياغة المستقبل المشترك.

سهام فياض
ناشطة فلسطينية وخبيرة تنمية تمتلك خبرة واسعة في مجالات بناء السلام، الحوكمة، والمساواة الجندرية. تشغل حالياً منصب مديرة برنامج في منظمة البحث عن أرضية مشتركة في فلسطين، وتقود جهوداً لتعزيز القيادة المحلية ومشاركة النساء في صياغة السياسات الشاملة. يجمع عملها بين الواقع المجتمعي والنقاشات العالمية حول العدالة والصمود والتحوّل الاجتماعي.



