مِنَ التّضامُن إِلى التَّواطُؤ؟ مُساءَلَة الدّور الصّيني في زَمَن الإِبادَة

في ٢٩ تشرين الثاني/ نوفمبر، سَتَعقِد الجمعية العامة، كما اعتادَت منذ عام ١٩٧٧، "اليوم الدوليّ للتضامن مع الشعب الفلسطيني،" وسيكون الثالث في خضمّ الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة. خِلال المؤتمر السّابق المُنعقِد في عام 2024، أرسل الرئيس الصيني، شي جين بينغ، رسالة، قال فيها "إن القضية الفلسطينية تكمُن في صميم قضيّة الشرق الأوسط، وهي مسأَلَة عدالة وإنصاف دوليين. وتتمثّل المهمّة المُلحّة في التنفيذ الشامل والفعّال لقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، وتحقيق وقف إطلاق النار في أسرَع وَقت ممكِن، وتخفيف حدّة الوضع الإقليمي. ويَكمُن المَخرج الأساسيّ في تطبيق حل الدولتين وتَعزيز التّسوية السياسيّة للقضية الفلسطينية، وإقامة دولة فلسطينية مستقلّة تتمتّع بالسّيادة الكاملة على أَساس حدود عام 1967 وعاصمتها القُدس الشرقيّة، وضَمان حقّ الشّعب الفلسطيني في إقامة دولته، وحقّه في الوُجود، وحقّه في العَودة".
في مؤتمرِ عام 2023، الذي جاءَ بعد ما يقارب شهرَين من اندلاع الحرب، قال شي "إن السبب الجَذريّ للصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو أن إعمال الحقّ الوطني المشروع للفلسطينيين في إقامة دولة فلسطين المستقلّة قد طال انتظاره. لا يُمكن أن يكون هناك أَمن مستَدام دون أَمن للجميع: هذا درس قاسٍ مستفاد من دوّامة الصراعات الفلسطينية الإسرائيلية المتكرّرة. يَجِب على المجتَمَع الدولي أن يتحرّك الآن وبشكل عاجل. يَجب على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن يتحمّل مسؤوليته ويَبذل كلّ ما في وُسعِه للدّفع باتّجاه وَقف إطلاق النّار وحِمايَة المدنيّين وإنهاء الكارثة الإنسانية".
عادةً ما يُشيد العرب بموقِف الصين تجاه القضية الفلسطينية، خاصة الجانب الفلسطيني، واصِفين الموقف الصينيّ بأنه "عادل ومنصِف ويُظهر انحيازًا للحقّ والعدالة في دعم القضية الفلسطينية".
منذ بداية الحرب، نَشَرتُ مقالات عدّة، أشَرت فيها إلى أنّ موقف الصين من الإبادة، ودورها الدّبلوماسي لَن يتعدّى ما جاء فعليًا في رسائل شي: تَحويل المسؤوليّة إلى المجتمع الدولي لحلّ المسألة الفلسطينية، وأنّ "المهمة المُلحّة" في خطاب الصين ليست من مهمّات الصين ولا مسؤولياتها، بل مسؤوليّة أطراف آخَرين. وذَكَرت أيضًا أن الدور الصينيّ "لا يرقى إلى مستوى دولة عظمى تَسعى إلى أَداء أدوارٍ أكبر في الشرق الأوسط، وليس هذا الدّور المتوقّع منها من الفلسطينيين".
واقعيًّا، كلّ الخُطب، ورسائل التضامن التي لا تتَرجَم لعَمل فعليّ، لا تَعني شيئًا، خاصةً أَمام الإبادة. والأَمر الأَكثَر تعقيدًا أنّ تُقدّم الصين للعرب خطبًا مشحونة عاطفيًّا بتاريخها وتضامُنها مع الشعب الفلسطيني، وفي الوقت نفسه، تقدّم لإسرائيل أفعالًا تعزّز من النظام الاستعماريّ الصهيونيّ في فلسطين.
شراكة أَم استعادة استعمارية؟
في خِضمّ الإِبادة، خاصة في أيلول/ سبتمبر الماضي، أضافت الأمَم المتحدة 68 شركة جَديدة إلى قائمَتها السوداء، تمثّل 11 دولة، اتُّهمت بالتواطؤ في انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني مِن خلال علاقاتها التّجارية مع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربيّة المحتلة. مِن بين هذه الدّول، الصين، عَبر شركَتين، إحداهما خاصة، والأخرى مملوكة للدولة، ما يَضَع الصين في موقع متقدّم ضِمن الدول المتورطة في دعم الاقتصاد الاستيطاني.
في تقرير سابق، لشهر حزيران/ يونيو، أشار التّقرير إلى الشركة الصينيّة المملوكة للدولة "برايت فود" التي استحوَذَت على شركة "تنوفا." جاء في التقرير: "شركة تنوفا، أكبر تكتّل غذائيّ في إسرائيل، والمملوكة حاليًّا بحصّة الأغلبيّة لشركة برايت فود (مجموعة) الصينيّة المَحدودة، ساهَمَت في تهجير الأراضي واستفادت منه"، مقتَبِسَة من رئيس مجلس إدارة تنوفا الذي قال: "الزراعة... عمومًا، ومزارع الألبان خصوصًا، مورد استراتيجي وركيزة أساسية في المشروع الاستيطاني"؛ أيّ أن تنوفا هي مشروع استيطاني بحت. وأضاف التقرير: "استخدمت إسرائيل الكيبوتسات والنّقاط الزراعية الاستيطانية كوسائلٍ للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وإحلال المستوطنين محلّ السكان الأصليين. وتُسهم شركات مثل تنوفا في هذا المسار من خلال اعتمادها على منتجاتٍ مَصْدرها هذه المستعمرات، ثم استغلالها السوقَ الفلسطيني الأسير لتعزيز هيمنتها التجارية.
وقد ارتَفَعت تبعيّة الفلسطينيين لصناعة الألبان الإسرائيلية بنسبة 160% خلال العقد الذي تلا الدمار الذي ألحَقَته إسرائيل بصناعة الألبان في غزة عام 2014، وهو دمار قُدّرت خسائره بنحو 43 مليون دولار، وقد استفادت شركة تنوفا من هذا الفراغ التجاري الناتج عن تدمير السّوق الغزّي، دون أن تستخدم نفوذها الاقتصادي الواسع للضغط أو التأثير في مسار الأوضاع القائمة".
ولم يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ، إذ ذَكَرت تقارير إخبارية في عام 2021 أن "تنوفا" التي أصبحت بغالبيتها مملوكة للدولة الصينية، حَصَلت على مناقَصَة لبناء 22 طريقًا لربط مستوطنات "ماتيه يهودا" في القدس بما يُعرف بـ "المدن الإسرائيلية"، في مؤشر واضح على انخراط الصين، كدولة، في مشاريع بُنى تحتيّة تدعم الوجود الاستيطاني وتعزّزه. هذا يعني فعليًّا أنّ بكين تُساهِم في شَرعنة الاستيطان الإسرائيلي وتثبيت وجوده على الأرض.
الشركة الثانية التي وَرَد ذِكرها في التّقرير الأمميّ الحديث هي "أهافا"، المختصّة في مستحضرات التجميل، وتعمل من داخِل مستوطَنات الأغوار. وقد سَبَق للجمعية العامة للأمم المتّحدة أن أصدرَت تقارير حول هذه الشركة منذ عام 2009، كما أطلَقَت منظَّمات دولية من فرنسا وهولندا، وعلى رأسها حركة المقاطعة BDS، حملة ضدّ التّعامل معها تَحت عُنوان "الجَمال المَسروق". ورَغم ذلك، استحوذت شركة فيوجن انترناشينال Fosun International Ltd الصينية عليها عام 2016، ما يُبرِز تواصُل الانخراط الصينيّ في السوق الاستيطاني، خاصة أن هذه الشّراكات بدأت فعليًّا من شركات حكومية منذ عام 2014، وتوسّعت تدريجيًا لتشمل شركات خاصة أيضًا، استمرارًا حتى اليوم.
عقدت الشركات الصينية الحكومية شَراكات مع مؤسّسات إسرائيلية تعَمل داخل المستوطنات، وأَنشِطَةُ الأخيرة وثَّقّتها تقارير الجمعية العامة للأمم المتحدة، لا سيما في التقرير الأخير. مِن أبرز هذه المؤسّسات بنك لئومي (Bank Leumi)، الذي ورَد اسمه في أغلب التقارير الأمميّة بسبب تورّطه الواضح في تمويل المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس والجولان المحتلّ. في البَحث عن علاقات الصين مع هذه الشركات، فقد أبرَمَت شَركات صينية كبرى، منها بنك الصين
Bank of China وChina Resources، اتفاقيّات ماليّة وتعاونات مشترَكَة مع بنك لئومي لدعم مشاريع إسرائيلية داخل الصين وتمويل استثمارات داخل إسرائيل، بل تمّ افتتاح فرع تمثيليّ لبنك لئومي في مدينة شنغهاي عام ٢٠١٣، في دلالة واضحة على عُمق التّعاون الماليّ بين الجانبين.
يُعدّ بنك لئومي مِن أَبرَز أَدَوات التّمويل التي ساهَمَت تاريخيًّا في تمويل نشأة إسرائيل ودعم الجماعات الصهيونية. يقوم البنك اليوم بتمويل مشاريع توسّع الاستيطان وتقديم قروض للمجالس الإقليميّة الاستيطانية، وافتتاح أفرعٍ له داخل مستوطنات مِثل كريات أربع، ومعاليه أدوميم، وموديعين عيليت، إضافة إلى مشاركته في مشاريع إنشاء بنية تحتيّة في مستوطنة ألفي منشيه. وقد وثّقت هيومن رايتس ووتش هذه الأنشِطة في تقرير موسّع، أكّدت فيه أن البنك يُمارس دورًا محوريًّا في ترسيخ الوجود الاستيطاني من خلال أدواتِ ماليّة مَدروسة. (مصدر)
لا تَقتَصِر العَلاقة بين الصين وبنك لئومي على المعامَلات الحديثة، بل تمتَد جذورها إلى بدايات القرن العشرين، حين تأسّس البنك الأنجلو-فلسطيني (Anglo-Palestine Bank) بوصفه الذّراع المالية للصندوق الاستعماري اليهودي (Jewish Colonial Trust - JCT)، الذي أنشئ عام 1898 لتمويل المشروع الصهيوني في فلسطين عَبر تعبئة الاستثمارات اليهودية العالمية. وفي عام 1903، شَرَع الصندوق في توزيع 250,000 سهم بسعر جنيه إسترليني للسهم الواحد، وسجل يهود الصين، وتحديدًا في شنغهاي، مشاركة لافتة بشراء ما مجموعه 2000 سهم، أيّ ما يعادل 0.8% من إجمالي الأسهم المطروحة عالميًا، وهي نسبة مرتفعة نسبيًّا إذا ما قورنت بدول أخرى مثل أستراليا التي اشتَرَت 305 أَسهم، أو كندا التي استحوذت على 3,521 سهمًا. وما يلفت الانتباه أن 97.5% من الأَسهم الصينيّة تمّ شراؤها من يهود شنغهاي، فيما جاءَت الحصّة المتبقّية من يهود هونغ كونغ وهاربن، وبلغ عدد الأفراد المشاركين في عملية الشّراء داخل الصين 134 شخصًا، معظمهم من عائلات ثرية ذات أصول عراقية وأوروبية.
في ضوء هذا التاريخ، فإن إعادة فَتح بنك لئومي فرعًا جديدًا في مدينة شنغهاي، المدينة التي شَهِدَت انطلاقته الأُولى كمؤسَّسة استثمارية استعمارية، لا يمكن أن تُقرأَ بوصفها قرارًا ماليًا محضًا، بل تفتَح تساؤلات كبيرة حول استمرار الإِرث الاستيطاني في إطار تعاون اقتصادي مع الصين، وتثير جدلًا حول رمزيّة استعادة هذا الموقع تحديدًا، وكأنّنا أَمامَ تَدوير لتاريخ استعماري قديم تُعيد الصين احتضانَه من مَوقع الشّريك. هذا يعمّق من التّناقض بين الخطاب الرسميّ الصيني الذي يروّج لدعم "الحقوق الفلسطينية"، والوَقائع التي تُظهر انخراطًا مؤسسيًّا في دعم أَدَوات الاستيطان ماليًّا وتاريخيًّا، دون حَرَج أو مراجَعَة.
تَضَع هذه الوقائع الرّواية الصينيّة المعاصِرة حَول "دعم الشّعب الصيني لليهود" تَحتَ المجهَر. ففي مقال نُشر حديثًا للسفير الصيني في إسرائيل، شياو جيون تشنغ، في صحيفة إسرائيل هيوم بعنوان "مِن تاريخ مشتَرَك إلى مستقبَل مشتَرَك"، في ذكرى انتصار الصين على اليابان، قدّم السفير هذا الدّعمَ بوصفه فعلًا تضامنيًّا إنسانيًّا، مؤطِّرًا استقبال اللاجئين اليهود في شنغهاي وغيرها من المدن الصينيّة بأنه دليل على "روابِط دَعم متبادَل وتاريخٍ مشترَك". غير أن هذا الخطاب المكرّر، يتجاهل عمدًا طبيعة النشاط اليهودي في الصين آنذاك، الذي لم يكن محصورًا في الهروب من الاضطهاد، بل كانت تقوده منظَّمات صهيونية فاعلة تستثمر وجودَها لتعزيز المشروع الاستيطاني في فلسطين.
حين تُبرِز الصين "الشيوعيّة" اليوم في خطابها الرسميّ ما تُسميه بـ "الدّعم التاريخي الذي قدّمته الصين لليهود" قَبلَ مرحلة ماو، فإنّها لا تستَحضر فقط وقائِع إنسانية، بل تُعيد إنتاج سرديّة مشحونة سياسيًّا تتجاهَل السّياق الاستعماري لتلك المرحلة.
فالوجود اليهوديّ في الصين، وتحديدًا في شنغهاي وهاربن، لم يكن محصورًا في لجوء جماعي هارِب من الاضطهاد النازي وذي طابع إنسانيّ مَحض، بل كان نَشِطًا سياسيًّا ومرتبطًا بحركات صهيونية منظّمة كرّست جهودها لتعزيز مشروع استعمار فلسطين وتَنفيذ وعد بلفور. مارَسَت هذه الجَماعات الصهيونيّة تمويلًا، ودعايَة، وتعبئة سياسيّة، وشارَكَت في مؤسسات ماليّة أَسهَمَت لاحقًا في تشكيل بنية الكيان الاستيطاني، كالمساهمة في تأسيس الصندوق الاستعماري اليهودي (JCT) والبنك الأنجلو-فلسطيني، شَريكِ الصين اليوم، لئومي. بالتالي، فإنّ ما يُروّج له اليوم بوصفه "دعمًا تاريخيًّا" يُعدّ في جوهَرِه رِعايَة مبكّرة لصيغة من الاستعمار الاستيطاني، لا مجرّد تضامن إنساني. والأخطر أنّ استدعاء هذه الذاكرة بشكل انتقائيّ مَنَ الصين الحالية، التي بُني خطابها الرسميّ على مناهضَة الاستعمار ودعم حقّ تقرير المصير، يُشير إلى قبول سرديّ بالسياسات الاستعمارية التي سُوّغت آنذاك باسم الإنسانية من الحكومة الصينية، بينما كانت عمليًّا متواطئة مع وعد بلفور ومَشروع تفريغ فلسطين من سكّانها الأصليين.
لا تبدو إعادَة فتح فرع بنك لئومي في شنغهاي، بَعد أكثَر من قرن من ارتباط المدينة نفسها بتأْسيس هذا البنك الاستعماريّ، مُجرَّد مصادَفَة اقتصادية، بل تُحيل إلى لحظة رمزيّة يُعاد فيها تَدوير التاريخ، لا لِنَقده، بل لاستعادته وتثبيته كمسارِ تعاون طبيعي، في وقت تَغيب فيه أيّ مساءَلة حول ما إذا كانت الصين، بهذا التّماهي، تتحوّل من شَريك اقتصاديّ إلى شَريك في شَرعَنة استعمار مستمِر.
عندما نُعيد ربط هذه المعطَيات بفَتح بنك لئومي فرعًا جديدًا في شنغهاي، فإن الخطوة تَفتَح تساؤلات عميقة حول استمراريّة هذا المسار، ليس فقط من باب الاقتصاد، بل من زاوية رمزيّة تاريخية تُعيد تَدوير "الاستعمار" بثوب شراكة اقتصادية. فَأَن يُعاد إحياء بنك تأسّس أصلًا لدعم الاستيطان، في المدينة نفسها التي دعمته ماليًّا في بداياته، وبالتّزامن مع إعادة التّرويج الصيني لدَور "إنساني" تجاه اليهود، يَعكِس ميلًا واضحًا لِخَلق سرديّة متواصِلَة من الدعم، لكن دون مساءَلة محتَوى هذا "الدّعم" أو هدفه الحقيقي. فهل كانت الصين تَدعَم لاجئين، أَم كانت حاضنة مبكّرة لمشاريع صهيونيّة منظَّمة؟ هذا هو السؤال الذي يغيب تمامًا عن الخطاب الرسميّ والبحثيّ، ويُعيدنا إلى حقيقة أن ما يُقدَّم اليوم كـ "تاريخ تضامن"، كان في مضمونه دعمًا لمؤسسات استعمارية، لا لضحاياها. السؤال الأبرز: هل الاستخدام المتكرّر لهذا التاريخ اليوم، بدون نقد أو تمييز، هو بشكل ما قَبول للسياسات الاستعمارية التي مرّرتها الصين آنذاك؟
يُشير نَهجُ الصين العمليّ، عَبر شَرِكاتها الحكومية التي تنخرِط بحرّية في مشاريع استيطانية دون أيّ قيود قانونيّة أو سياسيّة، بوضوح إلى أن الصين، كدولة ونظام سياسيّ، لم تَعُد طرفًا محايدًا أو داعمًا لفلسطين كما تدّعي، بل أصبحت شريكًا مادّيًا في المشروع الصهيوني في فلسطين، ومانحًا لشرعيّة اقتصادية وواقعية للاستيطان. لا يمكِن النّظر إلى الصين على أنّها حالة مغايرة عن بقيّة الدول التي وَرَدت أسماؤها في تقارير الأمم المتحدة، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لأنّ سلوكَها الفعليّ يَضَعُها في الصفّ ذاته من حَيث المشارَكَة في خَلق بنية استيطانيّة مستدامَة. والاستيطان، في سياق اللحظة الفلسطينية الحاليّة، ليس مجرّد تَفصيل ثانويّ، بل هو جوهر الصراع.
مِن هُنا، يَبرز السؤال الجوهريّ: ما هو شَكل التضامن الذي تقدّمه الصين فعليًّا للفلسطينيين؟ وهل سنستمر في تلقّي هذا التضامن الرّمزي بوصفه مكسبًا دبلوماسيًّا، أم سنملك القدرَة على إعادة تَعريف شروط الخطاب معها وامتلاك موقِعٍ تفاوضيّ يَسمح بمساءَلَته؟ فالسؤال إذًا لا يتعلّق بما ستكرّره الصين في رسالَتها القادمة، بل بما إذا كنّا سنَقْبَل مجددًا بتلقّي خطاب يُعلَن، لا تضامن يُمارَس.
الإحالات:
United Nations Human Rights Council, Database of all business enterprises involved in the activities detailed in paragraph 96 of the report of the independent international fact-finding mission to investigate the implications of the Israeli settlements on the civil, political, economic, social and cultural rights of the Palestinian people throughout the Occupied Palestinian Territory, including East Jerusalem, U.N. Doc. A/HRC/60/19, September 26, 2025. https://www.ohchr.org/sites/default/files/documents/hrbodies/hrcouncil/sessions-regular/session60/advance-version/a-hrc-60-19-aev.pdf.
United Nations Human Rights Council, Report of the Special Rapporteur on the situation of human rights in the Palestinian territories occupied since 1967, Francesca Albanese, June 30, 2025. https://www.ohchr.org/sites/default/files/documents/hrbodies/hrcouncil/sessions-regular/session59/advance-version/a-hrc-59-23-aev.pdf.
United Nations Human Rights Council, OHCHR update of database of all business enterprises involved in the activities detailed in paragraph 96 of the report of the independent international factfinding mission to investigate the implications of the Israeli settlements on the civil, political, economic, social and cultural rights of the Palestinian people throughout the Occupied Palestinian Territory, including East Jerusalem, June 30, 2023. https://www.ohchr.org/sites/default/files/documents/hrbodies/hrcouncil/sessions-regular/session31/database-hrc3136/23-06-30-Update-israeli-settlement-opt-database-hrc3136.pdf.
H.E. Xiao Junzheng, “From a shared history to a common future,” Israel Hayom, October 1, 2025. https://www.israelhayom.com/opinions/from-a-shared-history-to-a-common-future/.
Yossi Katz (2010) The Jews of China and their Contribution to the
Establishment of the Jewish National Home in Palestine in the First Half of the Twentieth
Century, Middle Eastern Studies, 46:4, 543-554, DOI: 10.1080/00263206.2010.492988.
النَّص في أغلَبِه مأخوذ من مقالة مطوَّلة منشورة مع موقع "العربي الجديد" بعنوان "الصين مستثمرًا في المستوطنات الإسرائيلية... تناقض الدبلوماسيّة المُعلَنَة والاقتصاد الداعم للاحتلال،" بتاريخ ١٣/١٠/٢٠٢٥. للاطلاع على الرابط الآتي: https://tinyurl.com/25fkcj6j.

د. رزان شوامرة
دكتورة في العلاقات الدوليّة/ تخصّص دراسات صينيّة. باحِثة في الشّؤون الصينيّة والشّرق الأوسط. أُستاذة مساعدة زائرة في كلّية بارد-القدس.



